ما أعظمك شهراً يا محرم الذي حملت أيامك في طياتها نماذج لأعظم رجال ذكرهم التاريخ رجال كانت لهم أعمال في هذا الشهر كان لها الدور الأكبر لبناء الإنسانية كما أراد الله ففي هذا الشهر مناسبات تنبئنا بمراحل الرجل الذي يسعى إلى النجاح فهو مخير بين تلك النماذج التي تعتبر في الواقع لوحة جميلة يرسم لنا التاريخ فيها صورة إبداعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى الإبداع.

لقد رسم لنا التاريخ في شهر محرم لوحة فنية مكسوة بألوان زاهية ينفذ منها عبق الحرية والكرامة لتلك الركاب التي حملت على أكتافها الخير للبشرية ولو تكلفت في سبيل ذلك الغربة والبعد عن الوطن والأهل والأحبة.

إنها لوحة فائقة الجمال نستوحي من خلالها كم كان أولئك الرجال عظماء وكم كان مناصريهم أوفياء كرماء .

إننا في هذا الشهر الفضيل نحط أنظارنا على ثلاثة نماذج من رجال التاريخ العظماء بل وغيرهم من النساء الرائدات اللآتي أبين إلا أن يكون لهن دوراً يصنعنه لكل أحرار وحرائر العالم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لقد عرفنا بسبب أولئك العظماء قيمة العزة والكرامة والصمود على الحق مهما كانت العواقب إن أولئك هم أنموذج خالد لابد لنا وأن نجعلهم نصب أعيننا، أولئك الرجال هم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفيده الحسين بن علي عليهما السلام وحفيدهما زيد بن علي عليهما السلام ويمثل الجانب النسائي عقيلة بني هاشم السيدة زينب بنت علي ‘.

لقد تقاسم أولئك الأفذاذ هذا الشهر بالسوية ولكن أبى الله إلا أن يكون الأول هو القائد الأعظم والمعلم الأكبر أعظم رجل في التاريخ إنه محمد بن عبدالله ص لم ير القبول لمنهجه العظيم الذي يحمله نوراً وهدى للناس ولكن أهل ذلك المجتمع عميت بصائرهم وأبصارهم عن رؤية ذلك النور فانطلق محمد ص بعد أن لبث فيهم ما يقارب ثلاث عشرة سنة فبحث له عن مقر آخر يجد فيه القبول وينفع به وينطلق فيه بدعوته فانطلق الى يثرب التي تنورت به وسميت المدينة المنورة لقد هاجر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب البقاع إليه ولكن مهما كانت فالأمر لابد له من تضحية لقد ذهب من مكة إلى الغربة في المدينة وبقي فيها وسيبقى فيها إلى أن يشاء الله.

إنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هاجر لكي لا يترك ذلك المنهج الذي ابتعثه الله به ليكون منقذاً، لم ييأس لأن قومه كذّبوه وآذوه وحاولوا إغرائه بشتى السبل ولكنه لم يرض ذلك حتى وصل بهم الحال إلى أن خططوا لقتله والنيل منه ولكن الله كان من فوقهم وعوّضه الله بقوم خير له من أولئك حتى أنه منحهم وساماً على سائر الناس وفضّلهم فقد قال في الحديث المشهور عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)" لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار" هكذا إذن يكون التعويض من الله سبحانه وتعالى لمن صبر وتحمل في سبيل الدعوة إلى الله وهنا درس لجميع الدعاة والمرشدين بأن يصبروا ويتحملوا إلى أن يبلغوا الحجة كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد فقد لبث الرسول في قومه ثلاث عشرة سنة حتى كادوا أن يقتلوه ذهب يبحث عمّن يستمع لهذا النداء فالتاريخ الهجري الذي يعد شهر محرم أول شهر فيه كان مؤرخاً بالهجرة النبوية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من مكة إلى المدينة.

أما الرجل الثاني فهو الحسين بن علي  عليهما السلام سيد الشهداء وحفيد سيد الأولين والآخرين الذي سطّر لنا بدمائه الزكية وأصحابه خطوطاً عريضة فيها جميع معاني الحرية والعزة والكرامة وإظهار الحق ولا أبالغ إن قلت أن قيام

الحسين × في كربلاء ليس سوى امتداداً لما هاجر من أجله جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبله بحوالي ستين سنة والكلام حول هذا الرجل كثير وعظيم فهو مدرسة بحد ذاته تدخلها من أي باب شئت فقد ضحى بكل شيء حتى أنه قدم روحه لأجل الإصلاح الذي هاجر من أجله جده المصطفى ص.

وكان من ضمن ركابه الذي يمثل العنصر النسائي لأبطال هذا الشهر الذين أصبحوا أبطالاً للتاريخ إنها زينب بنت علي ‘ عقيلة بني هاشم التي كانت ثورة بمفردها خلفها الحسين لنا ليرينا كيف تكون ثورة اللسان والمنطق الرشيد الذي مثلته العقيلة الطاهرة زينب بنت علي حفيدة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

أما الرجل الثالث فهو حفيد السابقين ووارث منهجهم في عهده وهو الإمام زيد بن علي بن الحسين † الذي فتح الباب بعد أن كاد يغلق في زمن ساد فيه ظلام الظلم وانتشرت فيه سحب الذل والخمول فأتى هذا الرجل العظيم مكمّلاً لما كان عليه آبائه الكرام إنه حليف القران الذي لم تنطفئ من دمه جذوة الهجرة النبوية وكذلك الجذوة العاشورائية فأتى بعد أن كاد الركود يودي بأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الا من رحم الله لقد جاء زيد بن علي عليهما السلام محيياً لتراث اجداده لقد أحيا الجهاد الذي بدأه جده الأكبر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم علي u ثم الحسنان عليهما السلام, والذي ارتشفه من معين مدرسة الزهد والعبادة التي تربّى في رحابها وكذلك مدرسة العلم التي واكبها إنها مدرسة زين العابدين ومحمد الباقر † لقد نتج عن ذلك كله حليف القران زيد بن علي عليهما السلام بطلنا الثالث من الرجال في هذا الشهر الذي قدم روحه الزكية فداءً للدين العظيم وذلك في الثلث الاخير من هذا الشهر الفضيل ولم يكفه أن قدّم روحه رخيصة في سبيل هذا المنهج العظيم فاستكمل عطائه بأن يصلب ثم يحرق جسده الطاهر ويُذر في الفرات ولسان حاله يقول كما قالت زينب في كربلاء : " أرضيت يا رب .... خذ حتى ترضى ... اللهم تقبل منا هذا القربان.

هكذا أحبائي القراء نجد أنفسنا في هذا الشهر في زخم القيم  المثلى التي يقودها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ولن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ختاماً

   كثيرة هي الاحداث التي سردها لنا ـ التأريخ البعض منها ليس  سوى أساطير

 تحكى للفكاهة والتسلية والبعض منها يحكى للعظة والعبرة وهذه أهم من سابقتها وبعضها كان لها دوراً في التاريخ سواءً سلباً أو إيجاباً أما هذه الاحداث الثلاثة فدورها يتمثل في أنها غيرت مجرى التاريخ فهجرة النبي كان بسببها انتشار الدين الاسلامي وانتشار النور الرباني بعد أن خيمت الرذيلة وبعد أن كان الناس أهل جاهلية لايرحم فيهم القوي الضعيف ويسيئون الجوار ويئدون البنات أحياء فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليجعل من هذا المجتمع أعظم مجتمع في التاريخ، ثم تمر السنون ويخيم الظلم والجبروت للحكام من جديد وتعود الرذيلة فيأتي الحسين بن علي عليهما السلام ويقوم من أجل السبب نفسه الذي هاجر من أجله جده رسول الله ص وتمر السنون بنفس المدة تقريباً ويعود الركود الى الحياة من جديد فيقوم الامام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب † ليجدد ما ابتدأه المتقدمون فحقاً إنها أحداث لايبالغ واصفها إن قال فيها أنها غيرت مجرى التاريخ.