......المقامة المساجدية .... 

  

حدثنا الحارث بن همام قال: حدثنا عيسى بن هشام بسنده إلى أسد بن ضرغام قال: يا سادة يا كرام كنا في مجلس أُنس ووئام، وأناشيد صنعانية وأنغام، إذ عكَّر مقيلنا وتطفل على جلستنا المخبر «مشاء بن نمام» وبدأ يتحسر على الدين والإسلام، ويتخوف من الرافضة على مستقبل الحكام، وزعم أنه أحد أركان حماية النظام، وأنه لولاه ما استقر للوالي مقام، ولا ساعدته الأيام، وبدأ يسرد بطولاته ويستعرض أدواره العظام، وكان من أحداث يومه التي حكاها اجتماع مجلس مكافحة التشيع ودوره في ذلك التجمع، وسرد خلاصة جلسة النصب، ومضمون قرارات عتاولة السلب والنهب، وأسهب في استعراض الجهود التي يقودها العميد صخر بن جلمود، والعلامة جاهل ابن مبلود، وقال منتفخة أوداجه ما مضمونه: بدأ الاجتماع بقراءة تقرير الشيخ (مبغض بن حاقد) عن سير خطة الاستيلاء على الجوامع والمساجد، وتدمير القبور والمشاهد، فذكر أنه تم بحمد الله العلي الواحد القضاء على كل مُخالف ومُعاند، وتضييق الخناق على كل راكع وساجد، واستُنفذت الزنازين والقيود والمراود، وتواصلت الجهود بعون الواحد المعبود، في تخليص الأذان من (حيَّ على خير العمل) والتخلص ممن يرفعونها عن كمل، وتصدير القسم الفائض من مؤذني الروافض إلى جناب الشيخ عائض، وإدارة المفسدات والنواقض لتأديب كل متجرئ و خائض، وقطع مرتبات كل معارض، ثم تلاه –والكلام لمشاء- أخونا العلامة المرشد الشيخ (عنكضو) فقرأ تقريره عن جهوده الجبارة في محاربة دعاء الوضوء، والتنكيل بكل من عارضوا أو أعرضوا، وأنه قام بجهد مشكور، فراقب كل حمام مستور، وأنكر كل دعاء مأثور، وهدَّد بالنبُّوت كل إمام قرأ في صلاة الفجر القنوت، وأبدل تسابيح قبل الفجر بالأذان، وأيقظ القوم، على وقع «الصلاة خير من النوم»، ونهى عن الجهر بالصلاة الإبراهيمية، والأدعية والأوراد اليومية، واعتبر الجهر بأدعية الأذان  والإقامة، من مُخلفات الإمامة، وشجَّع كل داعٍ على إنكار الذكر الجماعي، واستخدم كل وسائل الضغط والإرهاب النفسي والفكري والحسي، على كل تالٍ جهراً بعد الصلاة المفروضة بآية الكرسي، كما حرض الجموع على نافلة قبل المغرب والضم بعد الركوع، وبالتنسيق مع خبير الوعظ والإرشاد، وأتباع الشيخ (معتم بن معراد) ومسئولي مكافحة الأدعية والأوراد، وحماية أمن البلاد والعباد، تم تكوين لجنة تقصي الحقائق، والنزول إلى جميع المساجد والمنازل والحدائق، لحصر المجاهرين في الأذان بالحيعلة والقائلين بالإرسال في الصلاة والسربلة، وتشديد النكير والتغليظ في المسألة، فأوصتِ اللجنة بإقصاء كل مرشد ومؤذن وخطيب، لا يتبع التعليمات ولا يستجيب، وشددت على أن يكون خطباء ووعاظ ومؤذنو المساجد، من طراز واحد، وأن تُخلى كل مدينة وقرية، من المنكرين للتشبيه والتجسيم والرؤية، وسلبت اللجنة كل  داعٍ من الزيدية، أي فضيلة أو مزية، بل دمغته بتهمة الحوثية ونسبته إلى الإثنى عشرية، وقررت عداوته للسنة المحمدية، وسبه لصحابة خير البرية، وابتعاده عن الاعتدال والوسطية.  

قال أسد بن ضرغام: وهكذا مضى «مشاء بن نمام» في نخيطه والهنجام، وخبطه والأوهام، واحتكاره الحديث والكلام، فأدرك المنشد تململ الحاضرين والقعام، فصدح بصوته الجميل، وأنعش المقيل، بقصيدة للسيد إبراهيم بن محمد الأمير الصنعاني، حافلة المعاني وأخرجنا مما نعاني وردَّد لا فضَّ فوه:

عملي كله قشواش

لكن شاحسن ظني

واطلب رب الأوحاش

القادر يرزقني

من هاش ببابه عاش

يدي رزقه مثني

عامل للطير اعشاش

علَّمها كيف تبني

فالزم بابه وارتاش

واشرب لك من دني

قد أسْكَرني شِي لاشْ

يا صاح اروي عني

فدع عنك يَعْني وكُثْرَ الهِدَار

وَكبْر العمامة وطُوْل الثيابْ

وتعيين الاجرة وفرض السَّبارْ

بقدر المسافة بقصْد الثواب

وهي إحدى روائع ابن الأمير التي قالها على لسان البهلول في الزهد والإخلاص والوعظ والإرشاد، لكن (المشاء بن نمام) لم ينسجم مع النشيد، ولم يعجبه مضمون القصيد، فأرعب المنشد بنظرات الوعيد، وإشارات التهديد، فما كان من منشدنا الظريف، إلا الاستجابة للإرجاف والتخويف، وتحويل الموضوع إلى المعنى المعاكس الطريف، مخافة أن يقبع في السجن إلى نهاية الخريف، فأنشد وردَّد وصدح وغرَّد:

قِدْ بِيْصَلُّوا بِمعَاشْ

ويْبِيْعُوهَا نَقْدِي

ْ

مَا عَادْ شيءْ فرضْ بِلَاشْ

فِيْ الدكان النَّجِدِيْ

بِيْدْفَعْ قِيْمَتْهَا كَاشْ

الرَّكْعَهْ بإ شَنْدِيْ

قعْ وَهابِيْ تِعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجِلِسْ زَيْدِيْ

وادْخُلْ سِلْكَ الأوْبَاشْ

تَلْقَى الدَّخلَ الـمُـجْدِيْ

كَمْ مِنْ مُعْدَمْ قِدْ عَاشْ

بَعْد الفَقْرَ الـمُـرْدِي

فَنَالَ العَطَا مِنْهموا وافراً

وَلَانَ لَهُ كُلَّ أمرٍ عسيرْ

وأصْبَحَ مُستَثْمراً  تَاجِراً

وأمسى بِكُلِّ اخْتِصاص خَبِيْر

فاترك «شمس الأخبار»

لَا عَادْ تَرْوِيْ مِنَّهْ

وانْسَى «البحر الزخار»

لَا تتْحدَّثْ عَنَّهْ

وارجُمْ «شرح الأزهار»

مَا بِشْ جَدوى مِنَّهْ

واعْرِدْ «شَرْحَ الأثمارْ»

خُذْ «منهاج السنة»

واقرْا لَكْ «طَاشْ مَا طَاشْ»

دَغْمِرْ يَاخِيْ بَعْدِي

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

تمسْلَفْ إذا شِئْت نَيْلَ العُلَا

وسِيْر في طريق ذوي الهذرفه

وقُلْ للزِّيِود أنا ابن جلا

متى تَنْكِروني؟ أنا المعْرِفه

وامْسَحْ فوْقَ الطَّراشْ

واتْرُكْ غَسْلَ الرِّجْلِ

وافْعَلْ عِشْريْنْ مِطْرَاشْ

شَرْقيْ غَرْبِيْ قِبْلِي

وادْخُلْ ما تخلسْهَاشْ

وَسْط الجامعْ صَلِّيْ

قَالْوْا: مَا يُبطِلْهَاشْ

مَا يَعْلَقْ بِالنَّعْلِ

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

واتذكَّر ما تِنْسَاشْ

لَازِمْ ضَمَّ الأيدي

وإنْ شِئْتَ فَانْقُضْ وشِدَّ العقالْ

ورَتِّبْ قميصَكْ إذا ما انكمشْ

وأكْثِرْ خِلَالَ الصَلاةِ الفِعَالْ

وفَتِشْ جِيوبَك وعُدّ البُقَشْ

وَاحْذَرْ تَنْسَى «آمين»

عَيْسَوُّوْهَا فَعْلَهْ

واحْيَانْ لَاهُمْ نَاوِينْ

لَلأذوَهْ وَالشَّغْلَهْ

قَدْ تِسْمَعْ فِيْ ياسِين

بَعْدَ الميِّتْ قَتْلَهْ

ويحّطُوكْ فِي الغَاوِينْ

وَاهْلَ الـمَـسْجِدْ جُمْلَهْ

والـمَقْصُودْ من نِغْدَاشْ

أو طُنِفَاسْ مَا يَدِّي

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

تَوهَّبْ تُهَبْ وافِرَاتْ النُقُودْ

وَوَالي تُوالَى هباتُ النُّجُودْ

وإنْ شِئْتَ للفَقْرِ  أن لَا يَعُودْ

فعادِ الشوافع وسُبَّ الزُّيودْ

حَاذِرْ بعد التسليمْ

تَجْهُرْ بآيْ الكُرسيْ

قَدْ قَالْ عنّْهَا التَّنْظيمْ

بِتْغَالِطْ وتنسِّي

وِتْساهِم فِي التَّعْتِيمْ

والإزعاج النفسيْ

وادِّي فِيْهَا تَعمِيْم

للجنِّي والإنسي

والجَامِعْ ما يَخْلَاشْ

مِنْ متطوع نَجْدِي

يَصْرُخْ لو ما سْكِتْنَاشْ

ويجَلْجِلْ كالرعَدِ

فيكثرُ مِن حَوْلِهِ الـمُـرجِفُونْ

وتستيقظُ الفِتْنَة النائمهْ

ويُذكي شَرارَتها الجَاهِلُونْ

فَلَا تَبْق مِنْ جَاهِرٍ قائمهْ

لَا تَذْكُر آل البَيتْ

أو تتولَّى العُتْرَهْ

عَتْوَلِّي إنْ وَالَيْتْ

ويْهدُّوك الخُبْرَهْ

ويْقُولُوا انك سبيِّتْ

واسْمَعْ لَكْ والهَدْرَهْ

والتَّعزِيْر والتَبكيتْ

والشِطَّاطْ لِلوِزْرَهْ

فاسمعْ نُصحي ببلاشْ

مَنْ عَادَوْه اسْتَعْدي

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

تَناسَىَ عليْ والحَسنْ والحسينْ

وآلَ النبي المصطفى عَن كملْ

وحَاذِرْ تسبَّ اليزيدَ اللعيْنْ

وبرِّرْ لَهُ كُلَّ مَا قَدْ فَعَلْ

واسْتَفْتِي لا اسْتَفْتَيتْ

البازْ والألبَانِي

والَّا قَلِّدْ لَا اشْتَيْتْ

مُقبِلْ والزّنْدَانِي

وانْ ضَاقَتْ بكْ شَدَّيْت

لِلقَاضِي العَمْرَانِي

مَا شِيْ عَيْقُل: ضَلَّيتْ

الرَّيْميْ الجَهْرَانِي

ويَفْتِي بَعْد الفرتَاشْ

أنَّكْ سِيخيْ هِنْدِي

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

وتَابِعْ خطَى الـمَـارِبيْ والإمَامْ

وخطَّ الحَجُوريْ وشيخ السَّلَفْ

وصرِّحْ بِمَحْضِ الوَلَا للنِظَامْ

وفِي السِّر خلِّ النِظَام الهدَفْ

واتعبَّد بالرُّؤيَهْ

والتشبيهْ والتَّجْسيمْ

واجْبر أهلَ القَرْيَهْ

بالقوَّهْ والتصميمْ

والسرحَـهْ والجيَّهْ

والإرشادْ والتعليمْ

والخطبه المحميِّهْ

برجالات التنظيمْ

واعْلِنَها ما تخشاشْ

«لله ارجل وايدي»

واللي ما يَقْبلهاشْ

قُلْ لَه: «صحّتْ عندي»

وسدّد عليه حديث «الأطيط»

و«قطقطة» النار حينِ امْتَلَتْ

ودلِّلْ عليه بما في الشريطْ

وما قَالَهُ شيخُنا «جَعْدَلَتْ»

وارفعْ تَقْريرْ يَوْميْ

لَا زَيَّدْ في الإنْكَارْ؟

واصرخ: حوثي واوْمي

«كمْ لَا صَعْدهْ قَدْ سَارْ»

وادعيْ الأمنَ القومي

والفَنْدِمْ حَاميْ الدارْ

واتوصَّى بيومي

يعرِدْ بهْ في الزِّنجارْ

ويحطّهْ في الكلباشْ

عِنْدَ الفَنْدمْ مَهْدِيْ

يتشَعْكَلْ في شِي لاشْ

ويغِيْب مَا زِدْ يبْدِيْ

وهَات يَا محَاكِمْ وتَلْفِيْقْ تُهَمْ

وكَمْ يَا دَعاويْ عيقرى سعيدْ

وكَمْ قَبلَهُ وهْدَرُوْا مِنْ أمَمْ

فباتُوا ضحَايَا القضَاءَ الرشيدْ

فامْضِيْ بَعدَ الأوقافْ

فِي تَنفِيذ الخِطَّهْ

واقْنِعْ كُلَّ الأطرافْ

أنَّ الزَّيْديْ غَلْطَهْ

واتبعْ لُجنْة «طَوَّافْ»

في الهنجَامْ والنَخْطَهْ

والتهديدْ والإرْجَافْ

والتَّخويفْ بالسُّلْطَهْ

والدِّوارْ والفرتَاشْ

لَا شِيْ مَسْجِدْ زَيِّدْي

سَلِّطْ بَعضْ الأوباشْ

بالزَّوجي والفردي

لِكَفّ المؤذن وطَرْدَ الخطيبْ

ورَميهمُا بالغوى والضلالْ

تنل مِنْ معالي الوزير اللبيبْ

بديلهما من أولي الاعتدالْ

يبْعَثْ بِخَطيبْ مَصـرِيْ

مِنْ خِريجيْ الأزهَرْ

يتْشَعْبَطْ مِنْ بدريْ

ويتزقم بالمنبرْ

بقرار نافذ قَسـرِي

ومعه طقمين عَسْكَرْ

واللِّي يَجْرِي يَجْرِي

لَا قَدْ بَهْرَر بَهْرَرْ

بَعد اسْبُوعْ لوْ مَا جاشْ

جَاكَ وهابي نَجْدِي

بَعدهْ صفين أوحاشْ

ونُسُورْ وصُقورْ وَاْحديْ

فتمت بحمد العلي القدير

تدابيرهم كلها والخططْ

ونالت مساعي معالي الوزير

رضا المانحين ومَلَّا الشنطْ

كشفَ الصندوق الخاصْ

ومعاشاتهْ تِبْهِـرْ

ومَطَارِيشْ الإيرْبَاصْ

وعطَاياهَا الأوفَرْ

ماحَّدْ مِنْهَا يعتَاصْ

مَيلَكْ والَّا جمْهَرْ

تِدِّي همه واخلاصْ

واسئل «مستر همفر»

وسلاطين الخاش باش

وبني الشيخ النجدي

قَعْ وَهَّابِيْ تَعْتَاشْ

لَا عَادْ تَجْلِسْ زَيْدِي

وعش رافلًا في ثيابِ النَعيم

خَليْلَ النِظامِ وخِدْنَ الجهازْ

تنصُّ على نهجك المستقيم

ونهج الذين فتاوى الحجازْ

قال أسد بن ضرغام: وما إن انتهى منشدنا الهُمام من ألحانه والأنغام حتى انبرى مُخـبْرنا (مشاء بن نمام) فصاح قائلاً: «أحسنت يا محسن».

هكذا النشيد الحالي والـمُـلْقِنْ، أقسمُ بربي أنه نشيد يجْنِّنْ ويطرب الإنس والجن، أو مِه ياجماعة؟ فسكت الحاضرون واستغرقوا في الوسواس والطُّنان فقد دخلوا في ساعة سليمان.